فى بيت من بيوت المدينة جلس خيثمة بن الحارث يتجاذب أطراف الحديث مع ابنه سعد فيما يتعرض له الإسلام من مكائد الكفار، وفجأة يكف خيثمة عن الحديث، كأنما يحاول أن يلتقط صوتاً آتيا من بعيد، لكنّ أذنيه تخذلانه فيطلب من ابنه أن يستجلى الأمر ويأتى له بالخبر اليقين.
ويسارع سعد يلبى طلب أبيه، ثم لا يلبث أن يعود والبشر يعلو وجهه ويتجه نحو سلاحه ويهم بالخروج وقد نسى أن يخبر أباه بالذى رأى وسمع، ويثب خيثمة من مجلسه ويعترض طريق ابنه سعد وهو يقول: يا بنى أرسلتك تستجلى حقيقة الأمر وأراك تحمل سلاحك وتنطلق مسارعاً دون أن تخبرنى شيئاً. فيقول سعد: عذراً يا أبتاه، شغلنى عنك نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للنفرة إلى بدر فأسرعت أجيب النداء .
فقال خيثمة: إنى والله لأشد رغبة فى النفرة منك ولكن لابد لأحدنا أن يقيم مع نسائنا فأقم أنت يا سعد وخل بينى وبين النفرة مع رسول الله. ويجيبه سعد: لا والله يا أبتاه ما يقعدنى عن النفرة مع رسول الله أمر، فإن شئت أن تخرج أنت فاخرج ولنسائنا رب يحميهن.
ويكرر الأب الشيخ رجاءه ويطول الحديث بين الأب الشيخ والابن الشاب دون جدوى فلا يجدان بداً من الاستهام فيفوز سهم سعد فيعانق أباه ويودع أهل بيته وينطلق يلحق بركب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم لا تلبث أخبار بدر تتوالى، ويأتى لخيثمة من يبشره باستشهاد ابنه سعد فلا يزيد أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، صدقت الله يا سعد فصدقك الله، وإنى لأرجو أن تكون فزت بالجنة.
وينطلق فى أجواء المدينة صوت منادى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يدعو المؤمنين للنفرة إلى أحد، فيسارع خيثمة يلبى النداء، فيتلقاه الرسول القائد ببسمة مشفقة، ولكأن خيثمة يدرك ما فى نفس رسوله القائد من إشفاق على شيخوخته وضعفه فيقول: يا رسول الله والله لقد كنت حريصاً أن أنفر معك إلى بدر لكن ولدى سعداً فاز فيها من دونى فرزقه الله الشهادة والجنة، وإنى يا رسول الله قد أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة سعد فى الجنة، وقد كبرت سنى ورق عظمى وأحببت لقاء ربى، فخل بينى وبين أحد وادع الله لى أن يرزقنى الله الشهادة، ويرق قلب الرسول القائد لخثيمة فيدعو له بما أراد.
وحين احتدمت المعركة كان خيثمة بن الحارث يصول ويجول كأنما هو فى شرخ الشباب وما زال يثخن بالكافرين الجراح، ويثخنون به الجراح حتى تغلبه الجراح فيخر شهيداً فى سبيل الله ويلحق بإذن الله بولده سعد فى الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق