قد لا تكون شركة ديل بنفس قدم الشركات العملاقة الرائدة في مجال الحواسيب، فقد بدأت بعد زمن طويل من بدء شركة IBM العتيقة وبعد 8 سنوات من عمل شركة أبل، ولكنها مع ذلك أبدت منافسة قوية في طرح حواسيب شخصية تناسب جيب المستهلك ومتطلباته، فبينما كانت شركات أخرى تغادر المشهد دون وداع، بدأت شركة ديل بالصعود حتى وصلت حصتها في السوق إلى حاسوب من كل ثلاثة حواسيب مباعة في أمريكا، ويرجع ذلك إلى إدارة مايكل المتميزة لشركته، ولا عجب في ذلك، فمنذ أن كان مايكل ديل في مرحلة الثانوية كان يمتلك عقلية فذة في التخطيط لجمع المال وقد يكون ذلك بسبب شخصيته اليهودية ولكنه أيضًا كان يحب اختصار الخطوات، ويشهد على ذلك أنه عندما كان في المرحلة الابتدائية شاهد أحد الإعلانات يعرض منح شهادة التخرج من مرحلة التعليم المدرسي عبر اجتياز اختبار واحد، فأرسل يطلب الجلوس لهذا الاختبار فأرسلت الشركة له مندوبة مبيعات لتقابل السيد مايكل ديل الذي كان في الصف الثالث الابتدائي وقتها، فعلم أبواه بالقصة وصارت مصدر سخرية، ولكنه كان جادًا، فما الذي يجبره على تضييع الوقت بينما يمكنها اختصار عدة سنوات من خلال اختبار واحد. ومن هنا تطورت لدى مايكل فكرة اختصار الوسطاء في عمليات البيع والتعامل المباشر مع الزبون، وعندما صار في سن الثانية عشرة بدأ يجرب هذه الفكرة، فعمد إلى جمع الطوابع هو وصديقه الذي كان والده أيضًا من هواة جمع الطوابع وقام بعملية البيع التي عادت عليه بمبلغ ألفي دولار فعلم أنّه إذا أخرج الوسطاء من صفقات البيع فإنّ العائد سيكون أكبر، وعمل بعد ذلك كبائع اشتراكات لجريدة محلية، ولاحظ أنّ عينة معينة من الناس تستجيب بسهولة لعروض الاشتراكات، وهم الذين تزوجوا حديثًا أو انتقلوا حديثاً إلى الحي، فبدأ يصطاد المعلومات عن هذين الفئتين من خلال مسح بيانات الذين تقدموا للحصول على رخصة الزواج والذين تقدموا للحصول على رهن لشراء بيت، وكانت النتيجة مذهلة، فقد بلغ دخل مايكل في ذلك العالم 18 ألف دولار من أرباح اشتراكات الجرائد وهو رقم أكبر مما كانت تحققه معلمته في المدرسة!
في بداية الثمانينيات كانت الحواسيب المسيطرة على السوق في ذلك الوقت هي حواسيب IBM والتي كانت موجهة لقطاع الأعمال، وحواسيب شركة Apple التي كانت موجه للترفيه والاستخدام الشخصي والألعاب، ولكنّ مايكل أدرك أنّ المستقبل يقف وراء قطاع الأعمال لذا بدأ يوجه تفكيره نحو هذا الاتجاه، فبدأ بالتعرف على مزودي ومصنعي وتجار مكونات الحاسوب إضافة إلى أسعارها التي تهمه جدًا، فقد كانت تباع حواسيب IBM بسعر قدره 3 آلاف دولار في حين أنّ تكلفة تجميع المكونات ذاتها لا تتعدى 700 دولار مما يعنى إمكانية المنافسة.
كما أن المحلات التي تبيع الحواسيب ليست على دراية كافية، فهي نفسها التي كانت تبيع الثلاجات وأجهزة الراديو والأدوات الكهربائية العادية، وهذا يظهر في سوء خدمات ما بعد البيع، لذا فكر مايكل في الوصول إلى العميل مباشرة دون الوسطاء، فبدأ يجمع أجهزة حواسيب بمواصفات معينة لمعارفه وهو في مرحلة الجامعة وقد حظي بشعبية كبيرة لجودة الخدمات التي يقدمها، فقصده الكثير من الناس فبدأ الأمر يأخذ طابعًا جديّا لذا قام بتسجيل شركته تحت اسم شركة الحواسيب المحدودة PC’s Limited وتحولت فيما بعد في نفس العام إلى مؤسسة ديل للحاسوب.
ترك مايكل سكن الجامعة واضطر لتأجير شقة ليقوم بعمليات التجميع، فقد زادت طلبات العملاء كما زادت الأرباح أيضًا فقد كان إجمالي المبيعات الشهرية ما بين 50 إلى 80 ألف دولار من عائدات عمليات ترقية الحواسيب وفوائد بيع القطع المستخدمة في الترقية.
ومع مرور الوقت زادت الطلبات مما اضطر مايكل لتأجير مكان أكبر للعمل وتوظيف من يعمل معه، كما اضطر أيضًا لترك الدراسة والتفرغ لأعماله الخاصة فقد بدأ مستقبل رجال الأعمال يلمع في عينيه، فلم تعد شخصية الطالب الجامعي تناسبه.
كان كل ما يفعله مايكل في شركته هو شراء أجهزة حاسوب ومن ثم ترقية مكوناتها حسب الطلب وبيعها من جديد، ولكن عندما أعلن شخص يدعى جوردون كامبل عن شرائح إلكترونية جديدة تغني عن 200 شريحة مستخدمة في أجهزة IBM ، درس مايكل الأمر وقام بمقابلته مما أحدث ثورة في تصنيع أجهزة الحواسيب، وطرحت ديل حواسيب جديدة ومع ذلك كانت تحرص على إنتاج حواسيبها بصورة تتوافق مع أجهزة IBM لأقصى درجة لكسب العملاء، ولكنها لم تكن وحدها التي تقوم ببيع الحواسيب، لذلك كان لا بدّ أن تتميز فكانت تبيع الأجهزة إلى العملاء مباشرة بينما تبيع الشركات الأخرى إلى من ينوب عنهم، وهذا بالطبع يؤدي إلى فارق في الأسعار لصالح شركة ديل ولكنه في نفس الوقت يسبب مشكلة أخرى، فلم يكن لدى ديل وكلاء للذهاب إليهم في حال حدوث عطل بعد عملية الشراء، لذا قدمت ديل لزبائنها ضمان استرداد كامل لثمن الحاسوب خلال 30 يومًا من عملية الشراء، مما ساعدها على فرض نفسها في السوق وكسب ثقة العملاء، وأخذت تدخل في تنافس حاد مع شركة IBM خاصة مع التطور المتسارع في سرعة المعالجات وحجم الذاكرات العشوائية.
كما يقول بيل غيتس ” النجاح معلم سيئ”، فبالرغم من أن ديل بنت سياستها على عدم التخزين، أي التصنيع عند الطلب فقط، إلا أن الطلبات المتزايدة أغرت الشركة بشراء كمية كبير من الذاكرات سعة 256 كيلو بايت لتلبية الطلبات ولكن التطور المتسارع في التصنيع لا يمكن اللحاق به، فقد ظهرت في السوق ذاكرات بسعة واحد ميقا بايت وهي سعة كبيرة بالنسبة للاحتياجات في ذلك الوقت، مما أدى إلى انخفاض مفاجئ في السوق لأسعار الذاكرات القديمة، وكان لا بدّ للشركة من تحمل هذه الخسائر مما اضطرها لرفع أسعار أجهزتها لتغطية الخسارة، فنتج عن ذلك انخفاض في معدلات نمو الشركة، ولم يكن هذا هو الدرس الوحيد للشركة فقد تتالت الدروس المؤلمة عندما فكرت الشركة في مشروعها الأولمبي، والذي يهدف لإنتاج أجهزة بمواصفات عالية في ذلك الوقت تفوق ما يريده المستخدمون على عكس السياسة القديمة “التصنيع حسب الطلب” وقد وظفت لأجله عدد كبير من المهندسين، ولكنه باء بالخسارة، فتعلم ديل حسن الاستماع للزبائن، فبدل تسريح المهندسين القائمين على المشروع الخاسر، وظفهم للاستماع لطلبات المستخدمين لتلبيتها في الأجهزة المستقبلية للشركة، وقد كانت هذه خطوة صائبة منه، حيث أدت إلى تحسين أوضاع الشركة المستقبلية.
وبدأت عجلة التقدم تدور من جديد ونمت الشركة بسرعة كبيرة، وأصبحت تنافس في أسواق عالمية ولكن هذا الشكل الجديد من التوسع قد يشكل خطر على الشركة، فكثرة الفرص التي تعرض أمام الشركة قد تكون مغرية، ولكن على المدير أن يتخذ القرار السليم لمعرفة أي هذه السبل أكثر نجاحًا من الآخر فهناك طريق أقصر من غيره وطريق آمن وآخر غير آمن، لذا بدأ مايكل بالاستعانة بشركة متخصصة في القياس والإحصاء وبدأ يبني حساباته على الأرقام، وأخذ كل قسم يتم تقييمه من خلال الأرقام ولكن سرعان ما تحول ذلك إلى وبال على الشركة بسبب التنافس الذي نشأ بين الأقسام، وأخذ كل مدير قسم يعمل لأجل قسمة دون النظر للمصلحة العامة للشركة، لذا قام مايكل بتعيين الشخص المناسب الذي يمكنه حل هذه المشاكل الإدارية، فوقع الاختيار الحكيم على شخص يدعى مورت Mort Topfer والذي كان يعمل لدى شركة موتورولا لفترة 23 عامًا وقد كانت هذه خبرة كافية للتغلب على المشاكل الإدارية للشركة، فنجح في ذلك واستطاع توظيف الجهود لمصلحة الشركة العامة وليس جزء منها.
دخلت شركة ديل في مجال تصنيع الحواسب المحمولة وذاع صيتها، خاصة بعد استخدامها لبطاريات الليثيوم أيون وكانت وقتها تقنية جديدة في البطاريات التي صارت تعمل لساعات بفضل هذه التقنية، وحتى الآن تتميز حواسيب ديل المحمولة بطول عمر بطارياتها.
كما دخلت في سباق تصنيع منتجات أخرى إلكترونية غير الحواسيب مما أتاح لها دخول سوق أوسع، وصارت شركة ديل تتوسع يومًا بعد يوم حتى صارت مصدر ثقة للمستخدم فيما تقدمه من منتجات، وصار مايكل يحكي قصة نجاحه والدروس التي تعلمها في كتاب يقدمه ليكون مصدر إلهام لرجال الأعمال تحت اسم “Direct from DELL”
يذكر فيه المشاكل الإدارية التي مرت بها شركته وتغلب عليها، حتى ارتقت إلى هذا المستوى من الانتشار والتوسع العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق