إن التفوق المبهر للصناعة اليابانية على الرغم من قلة الموارد الطبيعية وصغر المساحة والظروف السياسية القاسية التي فرضت على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، يجعل المرء يتساءل عن سبب هذا التفوق وعدم حصوله في العالم العربي .
وإن المتأمل يدرك بأن المشكلة لا تكمن في العقل العربي من حيث قدرته على الاختراع والتفكير والتعلم ولا يكمن في فقر البيئة من المواد الأولية التي تساعد على التصنيع والمنافسة .
وأحسب أن التأريخ يساهم في صنعنا وصنع مستقبلنا ، بنفس القدر الذي نساهم نحن كبشر في صنعه ، فاليابان خرجت من الحرب العالمية على ماساة كبيرة تمثلت في تلك الضربتين القويتين التي منيت بهما هيروشيما ونكازاكي فكانت بمثابة القرصة التي أيقظت المارد وصرفت بصره للمنافسة والعمل الجاد .
في الوقت الذي كنا فيه نغط في سبات الفقر والجهل ومنشغلين بالخلافات الداخلية . وكم كنا بحاجة إلى مثل تلك الضربة في ذلك الوقت .
وعندما استيقظنا وأردنا أن ننافس العالم وجدنا أنفسنا سُبقنا بمراحل كثيرة وأصبح قدرُنا أن نكون السوق المستهلكة لما تنفثه تلك المصانع ليل نهار من أجل راحتنا .
وأصبحت فرصة العودة للمنافسة فيما برعوا وسبقوا فيه مستحيلا فعقارب الساعة لا ترجع للوراء ، كما أن قدرتنا على اختراق جدار الحياة بمخترع يجعل اختراعاتهم كالفحم الحجري أمام النفط مستحيل أيضا.
ولهذا أصبحنا في حيرة كبيرة وتفرق عظيم حيث فقدت البوصلة التي يمكن أن تحدد مسارنا ، وأصبحنا بين من يريدنا تابعين مسابقين نسابق ونلاحق التطور من خلال ما تدفعه لنا مصانعهم ، وبين من يريد أن نبدأ بداية جديدة . وكلا الحلين مر .
فالمسابقة ستجعلنا مستهلكين إلى الأبد، على الرغم من نبل هدف من يعتنقون هذا المبدأ حيث يريدون النهوض بنا من حيث انتهى الآخرون ، ومواكبة التطور ، مما أفقدهم القدرة على الثقة في أبناء الوطن وعدم القدرة على استخدام نظام إداري فعال مرن يستطيع التحول من فكرة إلى فكرة ، و من بيئة إلى بيئة أخرى أكثر تطورا، ولا يوجد لديهم نظام لقبول الأفكار والإبداعات والتعامل معها .
والانكفاء على أنفسنا والبدء من جديد سيقودنا إلى طريق مجهول لا نستطيع أن نتنبأ بعاقبته ، على الرغم من نبل هدف من يريد ذلك وطموحهم الكبير ، ولكن الطموح وحده لا يكفي فقد يعمينا في غمرة الحماس ، بحيث لا نرى الحقيقة .
والحل في نظري أن يتفق الطرفان ويتعاونان بحيث يفتحالفريق الأول فريق المسابقة المجال للمواهب والابتكار أن يقدموا ما لديهم . وإيجاد بيئة ثقة بين الطرفين ، وإيجاد طريق إداري للإبداع يقدم من خلاله المبدعون أفكارهم . كما أن المرونة الإدارية بحيث يسمح للأفكار بالتجريب و من ثم التحول إليها أمر في غاية الأهمية . ومن يدري فقد نبيع منجاتنا يوما ما وسط طوكيو وما ذلك على الله ببعيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق